الأربعاء، فيفري 12، 2025

من تفكك الأندلس إلى انشقاقات الشرق الأوسط: التدخلات و غياب الوحدة السياسية والانقسامات الداخلية. بقلم الأستاذ مصطفى علي

 


 تُظهر قصة سقوط الأندلس والديناميكيات الجيوسياسية الحالية في الشرق الأوسط أوجه تشابه مذهلة، خاصة فيما يتعلق بالانقسامات الداخلية، والتدخلات الخارجية، واستغلال الخلافات لإضعاف الكيانات السياسية. تسلط هذه الدراسة الضوء على التشابه بين تفكك ممالك الطوائف بعد سقوط الخلافة في قرطبة وبين التوترات الحالية في الشرق الأوسط، التي تفاقمت بسبب سياسات مثل تلك التي انتهجتها إدارة ترامب. بعد انهيار الخلافة في قرطبة عام 1031، تفككت الأندلس إلى عدة ممالك مستقلة تُعرف بممالك الطوائف. كانت هذه الممالك الصغيرة، التي غالبًا ما تنافست فيما بينها، غير قادرة على التوحد في مواجهة التهديد المتزايد من الممالك المسيحية في الشمال. وعلى الرغم من غناها الثقافي، كانت ممالك الطوائف ضعيفة عسكريًا وتعتمد غالبًا على تحالفات مؤقتة مع قوى خارجية مثل المرابطين والموحدين لضمان بقائها. ومع ذلك، ساهمت هذه الانقسامات الداخلية في تسهيل عملية الاسترداد المسيحي (Reconquista) التي بلغت ذروتها بسقوط غرناطة عام 1492.

 وقد أظهرت ممالك الطوائف عجزًا مزمنًا عن الحفاظ على وحدة سياسية مستدامة، حيث سعى كل ملك إلى تحقيق مصالحه الفورية على حساب رؤية جماعية. هذا الأمر مكّن الممالك المسيحية مثل أراغون وقشتالة وليون من استغلال هذه الانقسامات لغزو الأندلس تدريجيًا.

في السياق الحالي للشرق الأوسط، يمكن ملاحظة ديناميكيات مشابهة. فالدول العربية منقسمة حول قضايا استراتيجية كبرى، خصوصًا فيما يتعلق بوحدة الأراضي الفلسطينية وعلاقاتها مع إسرائيل. وقد أدت سياسة إدارة ترامب  (2017-2021) إلى تفاقم هذه الانقسامات من خلال دعم مبادرات مثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واتفاقيات أبراهام. هذه الاتفاقيات قامت بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة والبحرين)، لكنها زادت أيضًا من حدة التوترات بين هذه الدول وتلك التي تدعم بقوة القضية الفلسطينية مثل إيران وقطر.

هذا التفكك يشبه ما حدث في ممالك الطوائف: حيث تسعى كل دولة عربية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة دون الوصول إلى موقف جماعي قوي تجاه إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية يذكرنا بكيفية استغلال الممالك المسيحية للانقسامات الداخلية في الأندلس لتحقيق أهدافها.

التشابهات البارزة

في حالة الأندلس، تجلى التفكك بظهور ممالك الطوائف المتنافسة بعد انهيار الخلافة في قرطبة عام 1031. كانت هذه الممالك الصغيرة غالبًا ما تتصارع فيما بينها وغير قادرة على تقديم جبهة موحدة ضد التهديدات الخارجية. وبالمثل، فإن الشرق الأوسط المعاصر يعاني من انقسامات عميقة بين الدول العربية، خاصة بشأن القضية الفلسطينية وعلاقاتها مع إسرائيل. هذا التفكك يضعف موقفها الجماعي أمام التحديات الإقليمية والدولية. شهدت قصة الأندلس تدخل قوى خارجية مثل المرابطين والموحدين الذين حاولوا توحيد المنطقة لكنهم ساهموا أيضًا في زعزعة استقرارها.

وفي السياق الحالي للشرق الأوسط، تلعب الولايات المتحدة وإسرائيل دورًا مشابهًا. فقد ساهمت سياسات إدارة ترامب في تعميق الانقسامات القائمة من خلال دعم مبادرات مثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واتفاقيات أبراهام. كما أن عملية الاسترداد المسيحي للأراضي الأندلسية استغلت الانقسامات بين ممالك الطوائف لتحقيق تقدم تدريجي. وبالمثل، تستفيد إسرائيل استراتيجيًا من الخلافات بين الدول العربية لتعزيز نفوذها الإقليمي. ويظهر ذلك بوضوح في تهميش القضية الفلسطينية وإقامة علاقات دبلوماسية مع بعض الدول العربية.

إن فقدان الأراضي الأندلسية تدريجيًا أدى في النهاية إلى الزوال الكامل للحضارة الإسلامية في إسبانيا. أما في الشرق الأوسط الحالي، ورغم أن الوضع ليس بنفس الدرجة من الدراماتيكية، فإننا نشهد تهميشًا متزايدًا للقضية الفلسطينية وضعفًا في الموقف الجماعي للدول العربية على الساحة الدولية.

 تُبرز هذه المقارنات كيف يمكن أن يؤدي غياب الوحدة السياسية والانقسامات الداخلية إلى جعل المنطقة عرضة للتدخلات الخارجية واستغلال نقاط ضعفها من قبل خصوم أكثر قوة وتنظيمًا.

 

في النهاية، تُظهر قصة سقوط الأندلس والتوترات الحالية في الشرق الأوسط أن غياب الوحدة السياسية يجعل الكيانات المعنية عرضة للتدخل الخارجي. ففي الحالة الأندلسية، أدى ذلك إلى الزوال الكامل لحضارة مزدهرة. أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد تستمر هذه الانقسامات في إضعاف الموقف الجماعي للدول العربية أمام التحديات الإقليمية والدولية.

 

أ مصطفى علي

0 التعليقات: