الخميس، جوان 02، 2022

تعليم البؤس و بؤس التعليم: بلا سقف و لا قانون . بقلم أ. علي مصطفى


  لكي تلاحظ ان سقفا سينهار، وجبت كرامة ترفع بها رأسك.

 

تتحمل السلطات الموريتانية المسؤولية الكاملة عن البؤس الذي يعاني منه قطاع التربية الوطنية في موريتانيا منذ عقود.

 بعد هدم المدارس و بيعها لمن دمرها لبناء آلاف المحلات التجارية - حفر فئران  - لتجار ملتويين، ها هي المدارس تنهار من تلقاء نفسها، مما يؤدي إلى إصابة وقتل تلامذتها...

  في" بريبايا" ( و لاية نعمة) و في "توجونين" ، تنهار أسطح المدارس على الأطفال والمسؤولون يسجلون الموتى كما لو أن الإدارة الموريتانية  لا تتكون إلا من متعهدي دفن المواطنين.

  بيد أن نرى الرئيس الغزواني يتحرك أو أن يقيل وزير التربية الوطنية و معاونيه، تهافتت  على مكان  المصائب أسراب من المبعوثين المحليين وكأنه حدثًا بلا أهمية.

 أطفال يتوفون، وعائلات في الميتم و القهر لا يعني شيء لسلطات  جعلت من موت الأبرياء  حدث لايرج الأعتبار .

و يواصل أصحاب المدارس يسيرون  مؤسسات تربوية لا تخضع لأبسط المعايير الصحية و محاضر لا تليق للتدريس لخطورة بنيانها . حصلوا على تراخيص مشبوهة   فأصبحت  المدارس صفوف الموت للأطفال. نظام تربوي  ترك تحت طائل نظام تعليمي يباع و يشترى؛ نظام  مبني على التزييف والجهل ، ومعلموه ليسوا إلا ظل أنفسهم ، منبوذون من نظام التعصب والجهل الذي يمنعهم من امتلاك الوسائل البشرية والمادية لممارسة مهنتهم ، ومن أي كرامة  يرفعون بها رؤوسهم. و من لا يرفع راسه لن يلاحظ أن سقفا سينهار.

في بلد لا يقتل فيه الجهل، لم نر هذه المرة  وزير الشؤون الدينية يوزع الأكفان على العائلات ، كما وزعها على السكان عند انتشار وباء "الكوفيد" وكأنه يقول لهم "ستموتون  حتما". والفرصة هذه المرة ذهبية له لأن السقف انهار على رؤوس أطفال مدرسة للتربية الدينية ...فعجالة لميزانية للأكفان ....و صفقة عمومية لإقتنامها ...

العجز البشري والغباء والقسوة. موريتانيا بلد يموت فيه الأطفال على مقاعد المدرسة.  لان الإدارة  المعنية غير كفؤة وغير قادرة على الرقابة والتفتيش والإشراف على المؤسسات التعليمية (مبانيها وبرامجها). اختلاس ورشوة و اللامسوؤلية.. لا تعترف بالقوانين بل بالروابط القبلية والعشائرية وغير ذلك من استغلال النفوذ العسكري التجاري.

 لذا كم عدد أسطح المدارس التي ستنهار، كم عدد الرؤوس الصغيرة التي ستهشم ...بفعل فاعل معلوم و متمعن في جرمه؟

 

الكرامة لا تُشترى ... يفتخر بها المرء الشريف ليبق مرفوع الرأس. ولكي تلاحظ ان سقفا سينهار، وجبت كرامة ترفع بها رأسك.

في بلد بلغ فيه البؤس حده الأقصى ، لا يؤدي تعليم البؤس إلا إلى بؤس التعليم. بلا قانون و لا  سقف.

  أ. علي مصطفى

طالع المقال »

الثلاثاء، ماي 31، 2022

الفولان في كل مكان: هل الفلاني موريتاني؟ بقلم أ. علي مصطفى

  إذا كانوا  متواجدين في موريتانيا، فهم أيضًا كثيرون في نيجيريا، النيجر، في شمال وغرب الكاميرون ، و مالي ، و السنغال ، و غينيا ، و تشاد ، و في غامبيا ، و بوركينا فاسو ، و بنين ، وغينيا بيساو ، سيراليون وغانا وساحل العاج وتوجو والسودان. و هم في غينيا كوناكري  يشكلون ما يقارب 53.4٪ من السكان!

 

إنهم منتشرون في جميع أنحاء غرب إفريقيا ، "يحتلون" كامل الشريط الساحلي ، مجموعه خمسة عشر دولة ، ما بين 25 و 65 مليون شخص!

الفولان في كل مكان ، حتى في جنوب أفريقيا والقرن الأفريقي! إنهم  "الصينيين" المحليين لأفريقيا ، في كل حدب و صوب. و تطلق عليهم تسميات عديدة : "فولاني" ، "فولبي" ، "فولفولدي" ، "بولار" أو حتى فلاتا ... و "توكوللار". شيء يشعرك بالدوارن لتجد العرقي.

في كل مكان مع قطعانهم التي تتردد ذهابا و إيابا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لا شيء يوقفهم، ولا حتى الصحراء!

يبدو أن تجوالحم يعمل على الطاقة الشمسية، وهو ما يكفي لإثارة غيرة محبي الطاقات المتجددة. بالتأكيد "تسلا" مخترع فولاني!

بما أنهم في كل مكان، هل يمكن أن نقول إن الفولاني موريتاني؟

لا يمكن الاعتراف بالجنسية إلا من قبل أشخاص يمكن التعرف عليهم وتفردهم. لا يمكن أن يكونوا هنا وهناك وفي كل مكان في نفس الوقت.

 إمكانية التواجد  لشخص في عدة أماكن في آن واحد، لا تسمح له بأن يكون موريتانيا. و ذلك هو حال الفلاني . الفولاني هو مثال حي لفيزياء الكم ، التي تتطور في المراعي ، يحمل خصائص إلكترون ... تتبعه  بقرة.

 

هل يمكننا أن نعترف بأن الفولاني أكثر ارتباطًا بالعشب الذي ينمو على  مساحة إفريقيا أكثر من أي منطقة يعبرها وفقًا للمواسم والمراعي وأنه يمكن أن يكون موريتانيًا على وجه التحديد؟

إذا كان موريتانيًا حقًا ، فلماذا لا يقطن الفولاني بكثافة في الصحراء الموريتانية ، فلماذا لا تكون أبقاره في الواحات وثيرانه على الكثبان الرملية؟ لماذا لا يبيع البولو "القسام" في تيريس زمور ورعاة الفولاني لا "يرعون" في ممر أموكجار؟ لأن الفولاني ليس موريتانيا. إنه فولاني ، فقط .

 

لذلك تم حل إشكالية نسب الفلان لموريتانيا و قدمنا "حججًا" كافية لهذا البيضاني العجوز  والمتصدع ، الذي يود "طرد القولان من موريتانيا ، لأنهم ليسوا موريتانيين. ".

إن هذا الزائف المحبوس اليوم هو مثال على أسوء ما أنتجته موريتانيا اليوم في العقليات المتدهورة خلال أكثر من أربعين عامًا من النظام العسكري دعمت فيه القبلية في أسوء مظاهرها والعشائرية الخسيسة  والسوء البشري.

هل يمكننا الجدال حول جذور شعب الفولاني، الذي وجوده في الإقليم أقدم بكثير من موريتانيا بنفسها؟

 عندما رسم الحاكم (كزافييه كوبولاني) حدود موريتانيا بشكل مباشر وأعطاها هذا الاسم ، كان الفولان موجودون بالفعل بثقافتهم الألفية ولغتهم وشعرهم وملاحمهم الأسطورية. ملحمة "سيلاكا وبولوري" ، "هام بوديو" ، ملحمة " بوبو أردو غالو"  وإمبراطورية القولان لماسينا...الخ.

 و هم مؤسسو أعرق الحضارات التاريخية . المؤرخ (الشيخ أنتا ديوب) ربط الفولان بمصر القديمة ، وربطهم (تاسيير) ببلدهم الأصلي (مصر الوسطى) في حوالي القرن السادس قبل الميلاد. وذلك يعني أن "موريتانيا الرومانية" لم تكن موجودة بعد!

 الفولاني لا يحتاج إلى أن يكون موريتانيا، لكن موريتانيا بحاجة إلى وجود الفولاني ، لأنه عنصر بشري حيوي لوجودها. إنه بلا شك ابن ترابها ، و هو ثراء بشري لحضارة خرقت القرون  كانت موريتانيا (وما زالت) مساحة تاريخية لها.

 لكن بدلاً من محاكاة هذا التآزر للشعب الموريتاني مع جميع مجموعاته العرقية ، استقالت الدولة الموريتانية منذ فترة طويلة من دورها في توحيد  أبنائها وزرع التضامن و المودة بينهما.

 جهل الآخر ، التعصب المدني ، الإهمال التربوي والثقافي ، المحسوبية القبلية ، الظلامية الدينية ،  إنحطاط المسؤولين  ، فقر السكان ، بؤس الطبقات ، استقالة المثقفين ، المحسوبية السياسية  رمت بالمستقبل في طريق مسدود أدى إلى "عقول" فاسدة ضرت بأمة بأكملها.

 

 أ. علي مصطفى

 

طالع المقال »