يمثل التطور السياسي في موريتانيا تحت رئاسة محمد ولد الغزواني حالة دراسية مثيرة للاهتمام لديناميكيات التغيير والمقاومة في الأنظمة الأفريقية ما بعد السلطوية. وخلف واجهة التحديث المؤسسي، يكشف التحليل المعمق عن التوترات الأساسية التي تجتاح المجتمع الموريتاني المعاصر وحدود نموذج التحول السياسي المتبع.
لقد تأسس "نظام الغزواني" على غموض جوهري. فبصفته من المؤسسة العسكرية والذراع اليمنى السابقة للرئيس المخلوع عزيز، بنى الغزواني، بشكل مفارق، شرعيته على وعد بالقطيعة مع ممارسات سلفه. وتجسد محاكمة عزيز، التي استحوذت على اهتمام الرأي العام في 2023-2024، هذا التناقض بشكل مثالي. فبينما لبت إدانة الرئيس السابق مطلباً شعبياً للعدالة، تجنب التحقيق الانتقائي للملف بعناية استكشاف التشعبات العميقة لنظام النهب الاقتصادي الذي لا يزال يميز الدولة الموريتانية.
تستحق إعادة تشكيل شبكات السلطة تحت حكم الغزواني اهتماماً خاصاً. فظهور جيل جديد من رواد الأعمال السياسيين، القادمين غالباً من عالم الأعمال أو التكنوقراط، لا يخفي استمرار المنطق القبلي والزبائني القديم. وتكشف التعيينات في المناصب الرئيسية في الإدارة والشركات العامة في 2024 عن استمرار نظام توزيع الموارد القائم على توازنات مجتمعية معقدة. وهكذا يبدو إنشاء "الهيئة العليا لتحديث الدولة" مؤخراً أداة لإعادة توزيع المنافع أكثر من كونه أداة حقيقية للإصلاح الإداري.
اً ما المسألة الاجتماعية، بعيداً عن حلها من خلال المبادرات الحكومية، أصبحت أكثر تعقيداً في أشكال جديدة. فاحتجاجات الجوع التي هزت الأحياء الطرفية في نواكشوط في أوائل 2024 تشهد على تزايد الاستياء من عدم المساواة. ويوضح برنامج "التضامن المعزز" الحكومي، الذي أُطلق استجابة لهذه الأحداث، حدود المقاربة الزبائنية للمسألة الاجتماعية. فتوزيع القسائم الغذائية والإعانات المستهدفة، وإن كانت تهدئ التوترات مؤقتاً، لا تعالج الأسباب الهيكلية للفقر الحضري.
كما تكشف السياسة الاقتصادية للنظام عن تناقضاتها العميقة. فمشروع الغاز GTA، المقدم كمحرك للتنويع الاقتصادي، عزز بشكل مفارق المنطق الريعي. وتظهر المفاوضات الأخيرة مع الشركات الأجنبية لاستغلال الحقول الجديدة المكتشفة قبالة نواذيبو استمرار نموذج استخراجي قليل الاهتمام بالعوائد المحلية. و"خطة تطوير الطاقات الخضراء" الطموحة المعلنة في 2024، رغم كونها واعدة على الورق، تخاطر بإعادة إنتاج نفس أنماط استحواذ النخب على الموارد.
المسألة الهوياتية، التي ظلت مكبوتة طويلاً تحت غطاء الإجماع الوطني، تعود للظهور في أشكال جديدة. فقد كشفت النقاشات الحادة حول إصلاح النظام التعليمي في 2024 عن استمرار التوترات اللغوية والثقافية. فسياسة "التعريب المعقلن" التي تروج لها الحكومة، بعيداً عن حل التناقضات، أحيت مخاوف المجتمعات الأفريقية الزنجية من تهميشها الثقافي. وتشهد الحوادث الأخيرة في وادي نهر السنغال، المرتبطة بنزاعات عقارية ذات بعد عرقي قوي، على هشاشة النسيج الاجتماعي الموريتاني.
أما عن السياسة الخارجية للغزواني، فتعزيز العلاقات مؤخراً مع الصين، الذي تميز بتوقيع اتفاقيات كبرى في 2024 في المجالات المينائية والتعدينية، يثير تساؤلات حول الاستقلال الاستراتيجي للبلاد. ويكشف الموقف الغامض لموريتانيا في الأزمة المالية، المتأرجح بين الوساطة والانحياز إلى المواقف الغربية، عن قيود دبلوماسية تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي.
الجهاز الأمني، حجر الزاوية في النظام، يشهد أيضاً تحولات مهمة. فإنشاء "قوة خاصة لمكافحة الإرهاب" في 2024 بصلاحيات واسعة يوضح العسكرة المتزايدة في الاستجابة للتحديات الأمنية. وتثير العمليات الأخيرة في المناطق الحدودية، المنفذة بالاشتراك مع القوات الفرنسية والأمريكية، تساؤلات حول السيادة الحقيقية للبلاد في المجال الأمني.
يشهد المجتمع المدني الموريتاني، الذي ظل مجزأً طويلاً، تطوراً ملحوظاً. فظهور حركات مواطنية جديدة، نشطة بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، يقلب الأنماط التقليدية للاحتجاج. وتوضح المظاهرات المنسقة عبر واتساب ضد الفساد في قطاع التعدين في 2024 هذه القدرة الجديدة على التعبئة. ومع ذلك، فإن القمع الدقيق ولكن الفعال لهذه الحركات، من خلال التحكم في التمويل والضغوط الإدارية، يشهد على التطور المتزايد في آليات الضبط الاجتماعي.
تظهر القضية البيئية كتحدٍ رئيسي جديد. فالنزاعات الأخيرة حول استغلال الموارد السمكية، التي تفاقمت بسبب آثار التغير المناخي، تكشف عن عدم ملاءمة أنماط الحوكمة التقليدية للموارد الطبيعية. وتبدو الخطة الوطنية للتكيف مع المناخ، المعتمدة في 2024، غير كافية إلى حد كبير أمام حجم التحديات البيئية.
يبدو أفق 2025 حاسماً لنظام الغزواني. فالتحضير للخلافة السياسية، الذي بدأ بالفعل في الكواليس، يبلور التوترات بين مختلف فصائل النخبة. وقد يؤدي ظهور شخصيات جديدة، خاصة من الشتات التكنولوجي، إلى زعزعة التوازنات التقليدية. ومع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بقدرة النظام على استيعاب هذه القوى الجديدة مع الحفاظ على أسسه السلطوية.
وهكذا يظهرلنا تحول موريتانيا تحت حكم الغزواني كعملية متناقضة
بعمق. فإذا كانت الإصلاحات المؤسسية قد حدّثت بلا شك واجهة النظام، فإن الهياكل
العميقة للسلطة تظهر قدرة ملحوظة على التكيف والصمود. وسيعتمد مستقبل البلاد إلى
حد كبير على قدرة قوى التغيير، خاصة بين الشباب الحضري المتصل، على تحويل هذه
التناقضات إلى فرص للإصلاح الحقيقي. فالمسألة لم تعد تتعلق باستقرار النظام بقدر
ما تتعلق بقدرته على مواكبة التحولات العميقة لمجتمع في طور التحول.
د. مصطفى أحمد علي
PhD - PMP® - I-PMP® - SSYB®- CSP® - CEH
أستاذ جامعي. دكتور دولة. خبير دولي